جامعة كرة القدم أمام سؤال الإهانة.. كيف انهار افتتاح ملعب طنجة الكبير أمام صحن حلوى وكأس شاي

المستقل _ فؤاد السعدي

لم تكن الصورة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والمتمثلة في صحن صغير من الحلوى وضع أمام ضيوف فضاءات الـ”VIP” خلال افتتاح ملعب طنجة الكبير، مجرد لقطة عابرة أو مادة للسخرية، بل كانت تشريحا مباشرا لعقلية تدبيرية مترهلة، وثغرة خطيرة في منظومة تنظيم يفترض أنها واجهة بلد يستعد لاحتضان أكبر المواعيد الرياضية في تاريخه. فالحدث لم يكن مباراة عادية، بل افتتاح منشأة ضخمة أعيد تأهيلها بملايين الدراهم، وسط وعود رسمية بأن الملعب سيكون عنوانا للجاهزية والتنظيم المحترف، لكن النتيجة كانت خيبة وطنية، عنوانها الأبرز، ارتباك تنظيمي، وغياب رؤية، وتسيير لا يرقى حتى لمستوى المناسبات المحلية. فالمعطيات التي كشف عنها ممون حفلات شارك في العملية تزيد من حدة الأسئلة. فأن تخصص ميزانية “ضعيفة” لفضاءات “VIP” يصل سعرها إلى 20 ألف درهما في حفل افتتاح ملعب وطني، فهذا لا يبعث على الاستغراب فقط، بل على الريبة، إذ كيف يمكن لمنشأة كلفت الملايين أن تفتتح بضيافة لا تتجاوز القهوة والشاي وقطع حلوى متناثرة؟ وأين اختفت تكلفة التنظيم؟ ومن يقرر سقفها؟ ومن يراقبها؟

وسرعان ما تبين، مع تزايد المعطيات المتداولة، أن ما جرى ليس حادثا عارضا يمكن تجاوزه بسهولة، بل حلقة جديدة في سلسلة من السلوكيات الإدارية التي أصبحت تطبع تدبير بعض المؤسسات الرياضية. فقد بات تكرار سيناريو تقزيم الميزانيات في الواجهة ثم تقديم خدمات هزيلة أشبه بقاعدة غير معلنة، وكأن المشكلة لم تعد تقنية أو ظرفية، بل توجها مترسخا يستسهل الرداءة ويبررها تحت غطاء التوفير أو الترتيبات الداخلية، وهو ما يضع علامات استفهام حقيقية حول طبيعة العقلية التي تحكم اتخاذ القرار.

وفي خضم هذه الصورة المشوشة، برز عنصر آخر زاد الواقعة ثقلا، وهو تجاهل رأي الخبراء والمهنيين الذين نبهوا مبكرا إلى ضعف المكونات المقترحة. فقد اتضح أن المسؤولة المشرفة داخل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم تعر تلك الملاحظات أي اعتبار، الأمر الذي حول عملية التنظيم إلى قرار فردي لا يعتمد على أدنى المعايير المهنية، وهي نقطة لوحدها كافية لفهم كيف سقط افتتاح ملعب وطني في هذا المستوى من الارتباك.

وحين يصبح حدث بهذا الحجم رهينة رأي واحد، ويقصى أهل الخبرة الذين يملكون القدرة على تقييم المخاطر والاحتياجات بدقة، تكون النتيجة الطبيعية فضيحة بحجم الصورة التي هزت الرأي العام، على اعتبار أن التنظيم ليس شكلا جماليا أو إضافة تكميلية، بل هو عنصر جوهري يحدد مستوى الحدث ويصنع صورته، وبالتالي فغياب الرؤية الجماعية والتفاعل مع الملاحظات المهنية يعطي إشارات واضحة على خلل أعمق من مجرد سوء تقدير.

ويثير الأمر مزيدا من الدهشة حين نعلم أن الجامعة، وهي مؤسسة يفترض أنها تعمل بمعايير احترافية وتستعد لتدبير مواعيد رياضية دولية، سلمت مهمة بهذا الحجم إلى مقاربة أقرب إلى منطق تنظيم الحد الأدنى، بدل الاستجابة لمستوى التوقعات، إذ كيف يمكن لفضاءات VIP، التي دفع روادها مبالغ وصلت إلى 22 ألف درهم، أن تقدم لهم خدمات لا ترتقي حتى إلى ما ينتظر في قاعة انتظار بسيطة، فما بالك بحدث وطني يجري تحت أنظار العالم.

وهكذا تتداخل هذه المعطيات لتكشف أن الملف تجاوز حدود الزوبعة الإعلامية، ليصبح مؤشرا على هشاشة في عمق المنظومة، حيث يتم التضحية بالجودة لصالح قرارات فردية، ويتم إقصاء الخبراء لصالح مقاربات مرتجلة، بينما تتحول التفاصيل الصغيرة إلى عيوب كبيرة تجر وراءها انتقادات واسعة وتمس بصورة بلد يستثمر كثيرا في بناه الرياضية، لكنه ما يزال يعاني من فجوة مؤلمة بين ما يشيد وما يدبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *