أخنوش يستعرض الإنجازات.. وأرقام براقة تخفي واقعا اجتماعيا مقلقا

في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الحكومة عزيز أخنوش التأكيد على أن حكومته حققت “إنجازات هامة” وأن “الطريق يبقى طويلا لتحقيق تطلعات المغاربة”، يظل الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين أبعد ما يكون عن الصورة الوردية التي قدمها خلال لقاء حزبه “مسار الإنجازات” بالدار البيضاء. فبين الحديث عن ملايين المستفيدين من الدعم المباشر والتغطية الصحية ومن الزيادات في الأجور، يتجاهل الخطاب الحكومي الأرقام المقلقة التي تتعلق بغلاء المعيشة، وتآكل القدرة الشرائية، وتنامي الاحتجاجات الاجتماعية في مختلف المدن.
أخنوش اعتبر أن حزب “التجمع الوطني للأحرار” وفى بالتزاماته، مستشهدا باستفادة أكثر من أربعة ملايين أسرة من دعم شهري يتراوح بين 500 و1200 درهم. لكن هذا الدعم، رغم أهميته، لم يكن كافيا لتخفيف وطأة ارتفاع أسعار المواد الأساسية منذ 2022، وهو ارتفاع ما زالت الأسر المغربية تدفع ثمنه يوميا، في ظل غياب سياسات فعالة لضبط السوق أو الحد من الاحتكار. الخطاب الذي يقدمه رئيس الحكومة يركز على الأرقام الكبيرة، لكنه يغض الطرف عن سؤال بسيط يطرحه المواطنون وهو هل تحسنت معيشتهم فعليا؟
ويواصل أخنوش تقديم حصيلة حكومته بحديثه عن تعميم التغطية الصحية والزيادة في الأجور، وعن استفادة 55 ألف أسرة من اقتناء سكن رئيسي بفضل دعم الدولة. غير أن هذه الإنجازات، كما تقدم، تفتقر إلى تلك القراءة النقدية الضرورية التي توازن بين ما تحقق وما لم يتحقق. فالتغطية الصحية وحدها لا تكفي في ظل اكتظاظ المستشفيات ونقص الأطر الطبية، وارتفاع تكلفة العلاج في القطاع الخاص. والزيادة في الأجور لا تحدث أثرا ملموسا حين تلتهمها موجات الغلاء.
أما عندما يشير رئيس الحكومة إلى أن الاقتصاد الوطني حقق نموا بنسبة 3.8 في المئة سنة 2024 وسيرتفع إلى 4.8 في المئة سنة 2025، فهو يغفل حقيقة أن هذا النمو ما يزال هشا ومعتمدا بشكل كبير على عوامل ظرفية، بينما يشعر الشباب، الذين وعدتهم الحكومة بفرص شغل جديدة، بأن أبواب سوق العمل لا تزال موصدة في وجوههم، خصوصا في ظل استمرار تداعيات سنوات الجفاف المتتالية.
وفي قطاع التعليم، تحدث أخنوش عن مشاريع “مدارس الريادة” و“مدرسة الفرصة الثانية” بوصفها مبادرات رائدة لتحسين الجودة. غير أن المدرسة العمومية، التي “يستحق المغاربة تعليما ذا جودة عالية” فيها، ما تزال تعاني من الاكتظاظ، والنقص الكبير في الأطر، وضعف البنية التحتية، مما يجعل هذه المشاريع، رغم أهميتها، بعيدة عن أن تشكل حلا شاملا للأزمة التعليمية.
وفي حديثه عن جهة الدار البيضاء سطات، قدم أخنوش صورة لمدينة “تتنفس من جديد” بفضل شبكات النقل والمساحات الخضراء والتهيئة الحضرية. لكن الواقع اليومي لساكنة الجهة يكشف عن اختلالات كبيرة، اختناق مروري مزمن، صعوبات التنقل بين الأحياء، ضغط سكاني متزايد، ومناطق ما تزال خارج أي مخطط تنموي فعّال. ورغم المجهودات المبذولة، فإن الفوارق بين الخطاب والممارسة ما تزال قائمة.
خطاب رئيس الحكومة حاول تقديم حصيلة حكومية متماسكة، لكنه تجاهل الأسئلة الأكثر إلحاحا لدى المغاربة وهو متى سينخفض الغلاء؟ متى ستتحسن جودة الخدمات؟ ومتى سيشعر المواطن أن الأرقام المعلنة ليست مجرد لغة سياسية، بل واقع ملموس في حياته اليومية؟