البنك الدولي.. المغرب مطالب بإصلاحات هيكلية لتعزيز التشغيل وتقليص الفوارق المجالية

كشف تقرير جديد صادر عن البنك الدولي أن المغرب يواجه تحديات بنيوية في سوق العمل، حيث إن وتيرة خلق فرص الشغل ما تزال دون مستوى نمو السكان البالغين سن العمل، وهو ما يشكل، بحسب المؤسسة الدولية، أحد أبرز الإشكالات التي تعيق تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

وأوضح التقرير، الصادر تحت عنوان آفاق الاقتصاد الكلي والفقر(MPO)، أن هذا الوضع تفاقم خلال السنوات الأخيرة بسبب الانعكاسات القاسية لموجات الجفاف على فرص العمل في المناطق القروية، مما أدى إلى تراجع ملموس في مستويات النشاط الاقتصادي خارج المدن، خصوصا في صفوف النساء والشباب.

وأشار البنك الدولي إلى أن معدلات البطالة في المغرب ما تزال مرتفعة، إذ تراجعت نسبة المشاركة في سوق العمل من 44.2% إلى 43.4% بين منتصف 2024 و2025، مع انخفاض مشاركة النساء من 20.1% إلى 18.9%. وفي الوقت نفسه، انخفض معدل البطالة بشكل طفيف من 13.1% إلى 12.8%، وهو تحسن محدود بالنظر إلى حجم الطلب على الشغل.

وأبرز التقرير أن الاقتصاد المغربي أضاف نحو 113 ألف وظيفة في الوسط الحضري، في حين فقدت المناطق القروية 107 آلاف فرصة، ما يعمق فجوة التشغيل بين المجالين ويزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي للنساء والفقراء في القرى الذين يعتمدون أساسا على مداخيل فلاحية غير مستقرة.

وفي تشخيصه للوضع الاقتصادي، توقع البنك الدولي أن يحقق الناتج الداخلي الخام نموا ملحوظا في 2025، بفضل انتعاش القطاع الزراعي بنسبة 4.7% بعد انكماش حاد في 2024 بلغ -4.5%، إلى جانب أداء مستقر للقطاعين الصناعي والخدماتي اللذين يتوقع أن يسجلا نموا في حدود 4%. كما أشار التقرير إلى أن الاستثمار سيبقى المحرك الرئيسي للنمو، مسجلا نسبة 10.3% في 2025، مدعوما بارتفاع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وفي المقابل، يتوقع أن يتراجع نمو الإنفاق العمومي تدريجيا من 5.6% في 2024 إلى 5.0% في 2025، ليستقر عند 3.7% سنة 2027، في وقت سيحافظ فيه الاستهلاك الخاص على وتيرة نمو معتدلة تبلغ حوالي 3.5%.

أما على مستوى الفقر، فقد أشار التقرير إلى أن التحسن الاقتصادي المرتقب قد يُسهم في تقليص معدلات الفقر الدولي (3 دولارات في اليوم) إلى نحو 1.6% بحلول 2027، أي بانخفاض يقارب 23% مقارنة بالمستويات الحالية، وهو ما يعكس تحسنا تدريجيا في مستويات المعيشة إذا ما استمرت الإصلاحات.

غير أن البنك الدولي حذر من المخاطر التي قد تهدد هذا المسار، وعلى رأسها التقلبات المناخية التي قد تؤثر على الإنتاج الفلاحي، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وتباطؤ النمو في أوروبا، الذي قد ينعكس سلبا على الصادرات المغربية وتدفقات الاستثمار الأجنبي.

ولمواجهة هذه التحديات، دعا البنك إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وفي مقدمتها تحديث قوانين الشغل، وتحفيز ظهور مؤسسات إنتاجية ذات نمو مرتفع قادرة على خلق فرص شغل مستدامة، مع دعم تشغيل النساء وتعزيز دينامية القطاع الخاص. كما شدد على أهمية تقليص الفوارق المجالية عبر سياسات تنموية تستهدف القرى والمناطق الهشة، وترسيخ أنظمة الحماية الاجتماعية لضمان العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

وختم التقرير بالتأكيد على أن المغرب يمتلك مقومات قوية تؤهله لتجاوز الصعوبات الراهنة، بفضل استقراره السياسي، وإرادة الإصلاح، والانفتاح المتزايد على الشراكات الدولية، غير أن تحقيق تنمية شاملة يمر حتما عبر سوق عمل أكثر عدالة وديناميكية قادرة على استيعاب الطاقات الشابة وضمان مستقبل اقتصادي متوازن للبلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *