شطط ضريبي غير مسبوق.. مديرية الضرائب تصادر مخصصات الأجور وتفلس المقاولات

في بحثها عن تحقيق مداخيل قياسية ترضي مؤشرات المالية العمومية، أقدمت مديرية الضرائب على توسيع غير مسبوق في عمليات الاقتطاع من المنبع، في خطوة أثارت موجة من الغضب والقلق في أوساط المقاولات الصغرى والمتوسطة، بل وحتى بين المواطنين البسطاء. فبدل أن تتحول الإدارة الجبائية إلى أداة لتشجيع الإنتاج والاستثمار، صارت، بحسب متتبعين، تمارس شططا ضريبيا يقوض الثقة في مؤسسات الدولة.

مصادر من داخل القطاع أكدت أن “سوط الاقتطاع من المنبع” امتد حتى إلى مقاولات معسرة تدخلت الدولة في وقت سابق لدعمها، رغم أنها لم تسجل أي نشاط مالي يذكر. ورغم الطابع الإنساني والاجتماعي لهذا الدعم، فإن المديرية لم تتردد في شفط مبالغ مخصصة للأجور فور دخولها الحسابات البنكية، ما أدى إلى شلل تام لدى عدد من المقاولات، وعجل بإفلاس بعضها وتشريد العاملين فيها.

ولم يتوقف الأمر عند حدود المقاولات، إذ شمل الشطط حتى المواطنين العاديين. فقد أقدمت المديرية، وفق شهادات متعددة، على اقتطاع متأخرات ضريبة السكن وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من 2000 درهم، دون إشعار مسبق أو جدولة ميسّرة، والنتيجة، موجة من السخط والهلع دفعت كثيرين إلى إفراغ حساباتهم البنكية والعودة إلى التعامل النقدي، في تراجع خطير عن مسار الرقمنة المالية الذي تبنّته الحكومة.

أما التجار والحرفيون، فقد وجدوا أنفسهم أمام معادلة مستحيلة؛ فكل معاملة إلكترونية باتت تترجم في نظر الإدارة إلى “دخل مؤكد”، دون اعتبار لتكاليف التشغيل أو هامش الربح الحقيقي. بهذا المنطق، صارت الرقمنة فخا جبائيا بدل أن تكون رافعة للشفافية والعدالة.

خبراء الاقتصاد يرون أن هذا التوجه يظهر قصورا في الرؤية الجبائية التي اختزلت العدالة الضريبية في توسيع الوعاء كيفما اتفق، دون تمييز بين من يتهرب عمدا ومن يختنق تحت وطأة الأعباء. فبدل تشجيع المبادرة الخاصة وتحفيز الاستثمار، تدفع هذه السياسات المقاولات إلى الانكماش، وتفاقم البطالة والهشاشة، وتعمق الفجوة بين الإدارة والمواطن.

إن ما أقدمت عليه مديرية الضرائب، في نظر العديد من المتابعين، ليس مجرد صرامة في التحصيل، بل شطط إداري يمس جوهر العدالة الجبائية، ويهدد الثقة المتبادلة بين الدولة ودافعي الضرائب. فالإصلاح الجبائي الحقيقي لا يقوم على المداخيل الظرفية، بل على بناء مناخ اقتصادي مستدام، تُراعى فيه خصوصية المقاولات الصغرى، ويُضمن فيه التوازن بين حقوق الخزينة وحقوق المواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *