فؤاد السعدي يكتب: وزارة الأوقاف تتلو آيات النجاح.. وتنسى آيات الحساب


بينما عمت الفرحة شوارع المملكة بعد فوز المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة، كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من بين أولى المؤسسات التي بادرت إلى تهنئة الشباب المتوجين، مستشهدة بآيات قرآنية تحث على الإحسان في العمل والإتقان في الأداء، نعم هي رسالة جميلة في ظاهرها، تدعو إلى الاجتهاد وتربط النجاح بالقيم الإسلامية الأصيلة، غير أن هذه المبادرة التي لاقت تفاعلا واسعا، فتحت بالمقابل بابا واسعا للنقاش حول انتقائية الخطاب الديني الرسمي، وحول الطريقة التي يتم بها استعمال النصوص القرآنية لتأطير الأحداث العامة، بين لحظات الفخر الوطني وسياقات الإخفاق والفساد والتقصير الإداري.
ففي الوقت الذي يتم فيها استحضار آيات “إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” لتفسير الانتصارات، يغيب صوت المؤسسة الدينية تماما عندما يمنى الوطن بنكسة أو فشل مؤسساتي، أو حين تتكرر حالات التقصير في أداء المسؤوليات العامة، وهنا تطرح التساؤلات، أين تختفي الآيات التي تتحدث عن الحساب، والمساءلة، والجزاء على التقصير؟ لماذا لا يصدر عن الوزارة الخطاب ذاته الذي يذكر بأن الإخلال بالأمانة خيانة، وأن المسؤولية في الإسلام تكليف لا تشريف؟
إن التناقض في استحضار الدين حسب المناسبة يخلق للأسف انطباعا سلبيا لدى الرأي العام، بأن الخطاب الديني الرسمي لا يمارس وظيفة الإصلاح والمساءلة، بل يتم استعماله في الغالب لتجميل المشهد وإضفاء هالة روحية على اللحظات المشرقة فقط، في حين يلوذ بالصمت حين يتعلق الأمر بالمساءلة الأخلاقية والسياسية.
فالمجتمع اليوم لا يحتاج إلى خطب تطرب آذانه بالثناء على الإنجاز، بقدر ما يحتاج إلى خطاب ديني متوازن يذكر بالمسؤولية عند النجاح كما عند الفشل، على اعتبار أن المبدأ في الإسلام واحد وهو، “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وهنا لم يخصص القرآن الكريم الإحسان بالمدح فقط، بل قرن بين الثواب والعقاب، وبين الثناء على المخلصين والتحذير من المقصرين والمفرطين في الأمانة.
غير أن ما لا تريد أن تستوعبه وزارة الأوقاف والشؤون الدينة هو أن المواطن أصبح أكثر وعيا وإدراكا لكيفية توظيف الخطاب الديني في المجال العام، وأكثر حساسية تجاه محاولات استغلاله لتلميع صورة مؤسسات أو شخصيات، وبالتالي صار ضروريا تحرير الخطاب الديني من الإنتقائية ومنطق التوظيف الظرفي، وإعادته إلى جوهره الطبيعي في أن يكون صوت ضمير الأمة، لا صدى السلطة أو المناسبة.
إن وزارة الأوقاف، وهي واحدة من أكثر المؤسسات رسوخا واحتراما في المغرب، مطالبة بأن تجعل من الدين قوة توجيه وإصلاح حقيقية، لا مجرد إطار بلاغي لتزيين المناسبات السعيدة، وبالتالي حين ينجح المنتخب الوطني، نعم، يمكن أن نستشهد بالآيات التي تكرم الإتقان، ولكن حين يكون العكس، أي عندما يفشل مسؤول عمومي أو تتعثر مشاريع كبرى، فمن باب أولى أن يذكر الخطاب ذاته بآيات الحساب والمساءلة، لأن الدين لا يكتمل إلا بالعدل، ولا يخدم الصالح العام إلا إذا واجه الفساد بنفس القوة التي يصفق بها للنجاح.
لقد آن الأوان لأن نتحرر من الازدواجية في الخطاب الديني، فالإيمان بالنجاح لا ينفصل عن الإيمان بالمحاسبة، والآية التي تحث على الإحسان في العمل تقابلها آيات أخرى تذكر بأن من خان الوطن والأمانة “فقد أتى إثما عظيما، وبين هذا وذاك، يتجلى ميزان العدالة الإلهية الذي يفترض أن يكون مرجع كل مؤمن وكل مؤسسة تحمل اسم “إسلامية”.
صيحيح يحق للمغاربة أن يفرحوا بفوز منتخبهم، وأن يهنئوا شبابهم على إنجازهم، لكن الفرح لا ينبغي أن يعطل الوعي، ولا حتى أن يحجب عنا السؤال الأهم وهو، متى يتحول الخطاب الديني في بلادنا من مرآة للمناسبات إلى مرآة للضمير العام؟