الحكومة تطفئ شعلة “البوطا” المدعمة وتغلق نهائيا مرحلة صندوق المقاصة في 2026

تسير الحكومة بخطى متسارعة نحو إنهاء حقبة “صندوق المقاصة”، أحد أكثر الملفات حساسية في السياسة الاجتماعية المغربية، بعد أن أكد تقرير المقاصة المرفق بالمذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2026 أن الدولة تتجه إلى التحرير الكامل لأسعار غاز البوتان خلال السنة المقبلة، مع إعادة توجيه الاعتمادات الموفرة نحو تمويل التحويلات النقدية المباشرة لفائدة الأسر المسجلة في السجل الاجتماعي الموحد.

فبحسب التقرير، بلغت نفقات المقاصة إلى غاية نهاية غشت 2025 حوالي 15,6 مليار درهم، مقابل 22,5 مليار درهم في الفترة نفسها من سنة 2024، أي بانخفاض يناهز 30 في المائة، وهو تراجع يعكس بوضوح الأثر المباشر لتقليص دعم غاز البوتان الذي يمثل أكثر من ثلثي كلفة الصندوق. وقد انخفضت نفقات دعم هذه المادة الحيوية من 11,2 مليار درهم في 2024 إلى 7,4 مليار درهم في 2025، بينما تراجعت نفقات دعم القمح اللين إلى 4,1 مليارات درهم، ودعم السكر إلى 2,9 مليار درهم بعدما تجاوز 4,5 مليارات درهم السنة الماضية.

أما الإعانات الموجهة إلى مهنيي النقل الطرقي، فقد انخفضت إلى 1,3 مليار درهم مقابل أزيد من ملياري درهم سنة 2024، في ظل تراجع أسعار المحروقات عالميا، وانتهاء الدعم الاستثنائي الذي رافق فترات الأزمة. وترى وزارة المالية أن هذا التوجه يندرج ضمن “إصلاح هيكلي” يروم ضبط توازنات المالية العمومية، وإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه عبر آلية التحويلات النقدية المباشرة، بما يضمن، حسب تعبيرها، “عدالة اجتماعية فعلية ونجاعة أكبر في الاستهداف”.

لكن خلف هذا الخطاب التقني، تتصاعد التحذيرات من التداعيات الاجتماعية لرفع الدعم النهائي عن غاز البوتان، وهو المادة التي تشكل أساسا لحياة ملايين الأسر المغربية، خصوصا في الوسط القروي والمناطق الهشة. ونشرت دراسة جامعية حديثة في يونيو 2025، تنبه إلى أن تفكيك صندوق المقاصة دون بدائل فعالة “يهدد التوازن الاجتماعي ويعمق الفوارق الطبقية”، معتبرة أن التحول من دعم الأسعار إلى الدعم النقدي قد يؤدي إلى بروز ما أسمته بـ“اقتصاد الهشاشة”، ما لم يواكب بإصلاح جبائي يضمن عدالة في توزيع الدخل الوطني.

ويرى عدد من المراقبين أن تقرير المقاصة يكشف عن تسريع غير معلن لعملية إغلاق الصندوق، بعدما أصبح مشروع قانون المالية لسنة 2026 يحدد بوضوح أفق نهاية الدعم الشامل وبداية مرحلة “الدعم الموجه”، في انسجام مع التزامات المغرب أمام المؤسسات المالية الدولية. غير أن هذا المسار يثير قلقا متزايدا في الأوساط الاجتماعية والنقابية التي تعتبر أن الحكومة “تسير في اتجاه تحرير الأسعار دون تحصين الجبهة الاجتماعية”، خاصة في ظل ضعف الأثر الملموس للتحويلات النقدية على تحسين القدرة الشرائية للأسر محدودة الدخل.

ويبدو أن الحكومة اليوم تواجه أصعب معادلة مالية واجتماعية إذ كيف يمكن الحفاظ على توازنات الميزانية العمومية دون أن يدفع المواطن البسيط كلفة الإصلاح؟ وبين خطاب رسمي يربط تخفيف الدعم بترشيد النفقات ورفع الكفاءة المالية، وصوت شعبي يحذر من تآكل الدخل وارتفاع كلفة المعيشة، يظل ملف المقاصة عنوانا لصراع طويل بين منطق الحسابات المالية البحتة، ومنطق العدالة الاجتماعية التي تبقى جوهر أي سياسة اقتصادية رشيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *