قبل الكان.. جماهير الجيش ترتكب خطأ يهز صورة المغرب.. أين الخلل؟

تحولت مباراة الجيش الملكي والأهلي المصري، التي كانت تقدم كموعد كروي راق، إلى حدث إخباري عابر للحدود، ليس بسبب الأداء المتميز للاعبين أو الحماس المشروع للجماهير، بل بسبب انفلات سلوكي حاد أعاد إلى الواجهة سؤال الانضباط داخل ملاعبنا. ففي الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون ليلة كروية تعكس الوجه الحضاري للرياضة الوطنية، تحول الملعب إلى مشهد تتداول صوره في كبريات المنصات الدولية، من “موندو ديبورتيفو” الإسبانية إلى مواقع عربية واسعة الانتشار، وكلها تتحدث بلغة واحدة وهي أن المغرب قدم مباراة جميلة وأفسدتها فئة قليلة سقطت في فخ التهور.
فالعثور على آلة حادة داخل الملعب ليس مجرد تفصيل هامشي كما حاول البعض التقليل منه، بل عنصر خطير يضع علامات استفهام محرجة حول منظومة الولوج والمراقبة. فوجود جسم معدني قادر على إلحاق الأذى داخل منشأة رياضية يفترض أنها تخضع لمراقبة دقيقة، يفتح نقاشا جديا حول مسؤولية الأمن المنظم، وفعالية الإجراءات المعمول بها، ونوعية الفحص الذي يفترض أن يمنع مثل هذه الحوادث من الوصول إلى المستطيل الأخضر. القضية هنا لا تتعلق فقط بالانفلات، بل بخلل بنيوي في عملية التنظيم نفسها.
ومع أن الجميع يعترف بأن الحكم الليبي ألحق ظلما واضحا بفريق الجيش الملكي حين رفض هدفا صحيحا، فإن رد الفعل الذي صدر من بعض الجماهير لم يكن في مستوى تاريخ النادي ولا رمزيته. هناك فرق شاسع بين الاحتجاج والصراخ والتذمر وبين رمي القارورات، وتعريض السلامة الجسدية للاعبين ولطاقم التحكيم للخطر. هذا الانفلات لا يضر بصورة فريق الجيش فحسب، بل يطعن مباشرة في صورة المغرب الرياضية، في ظرف حساس للغاية، ونحن على بعد عشرين يوما فقط من احتضان كأس أمم إفريقيا 2025.
إن ما وقع يضع الجيش الملكي أمام احتمال عقوبات ثقيلة من الاتحاد الإفريقي، عقوبات قد تصل إلى الحرمان من الجماهير أو غرامات مالية معتبرة. وهذه العقوبات، إن نزلت، ستكون موجعة، ليس لأنها تستهدف النادي، بل لأنها تنزل العقاب على آلاف من الجماهير المنضبطة التي كانت شاهدة على سلوك فئة لم تدرك حجم الضرر الذي تحدثه. فلم تعد كرة القدم مجرد مباراة تلعب على العشب، بل أصبحت صناعة وطنية، وصورة دولة، وواجهة تقاس عليها قدرة المغرب على التنظيم والأمن والانضباط.
ومن هنا، يصبح السؤال الجوهري هو إلى متى ستظل فئة محدودة تخدش مجهودا وطنيا ضخما بتهور لحظي؟ المغرب بذل خلال السنوات الماضية استثمارات مالية وتقنية وإعلامية ليقدم نفسه كقوة تنظيمية كبيرة، سواء عبر مونديال الأندية أو كأس إفريقيا للسيدات أو استعدادات “الكان” القادمة. وفي المقابل، مشاهد مثل رمي القارورات أو دخول أدوات حادة إلى الملعب قادرة في ثوان على تشويه ما يتم بناؤه على مدى سنوات.
وبالتالي فليس المطلوب جلد الجماهير أو تحويل كرة القدم إلى فضاء بلا روح، بل الانتقال من ثقافة الانفعال إلى ثقافة المسؤولية. المطلوب أن تدرك الجماهير أن غضبها مشروع، لكن تعبيرها عنه يجب أن يبقى داخل حدود تحمي النادي والبلاد قبل أي شيء آخر. كما أن المسؤولية لا تقع على الجمهور وحده، بل على إدارة النادي، واللجنة التنظيمية، والسلطات الأمنية التي عليها تطوير بروتوكولات التفتيش ومراقبة المدرجات وتحديد الفئة التي تتسبب في الانفلات، لأن العقاب الجماعي لم يعد مقبولا، ولا يخدم تطوير الرياضة.
المشهد المؤسف في مباراة الجيش ضد الأهلي كان يمكن تفاديه لو توفرت ثلاثة عناصر أساسية وهي ضبط أمني أكثر صرامة، ورسائل تربوية وقيمية حقيقية موجهة للجماهير، وتحمل النادي لمسؤولية التواصل مع أنصاره وضبط علاقتهم بالحكام والخصوم. فالعالم لم يعد يتحدث عن المباراة باعتبارها صراعا كرويا رائعا، بل باعتبارها مثالا على خلل في التنظيم. وهذا ما يضر بسمعة المغرب، ويقلل من الثقة في جاهزية ملاعبه قبل العرس القاري.
إن المغرب لا يستحق أن تتصدره العناوين العالمية بهذا الشكل، والجيش الملكي لا يستحق أن يختزل تاريخه العريق في لحظات فوضى عابرة، ولا جماهيره تستحق أن تدان بسبب تهور البعض. ما يستحقه المغرب هو ملاعب مليئة بالحماس، ومنضبطة بالاحترام. وما تحتاجه كرة القدم الوطنية هو أن ندرك أن صورة المغرب اليوم تبنى في الملاعب بقدر ما تبنى في المؤسسات.
فلتكن هذه الواقعة درسا حقيقيا، لا موجة غضب عابرة تنطفئ مع نهاية الأسبوع. كرة القدم مسؤولية، وصورة بلد، والوطن أكبر من لحظة غضب وأكبر من صافرة حكم.