“أطاك المغرب” تدق ناقوس الخطر.. تغول القمع و”أخلاقيات الصحافة” تكشف منظومة التضييق

سجلت جمعية “أطاك المغرب” في أحدث بلاغ لها أن المغرب يعيش خلال السنوات الأخيرة منحى متسارعا نحو التضييق على الحريات، يتجلى في اتساع رقعة القمع السياسي وعودة الخطوط الحمراء إلى الواجهة بقوة، ما أدى إلى تراجع خطير في حرية التعبير والتنظيم. ووفق الجمعية، فإن موجة الاستهداف طالت الصحافيين والفنانين وشباب “جيل زد”، قبل أن تنفجر فضيحة “لجنة أخلاقيات الصحافة” التي كشفت، من زاوية جديدة، هشاشة منظومة كاملة تدار بآليات الضغط والتأديب بدل ضمان الحقوق والحريات.
وبحسب “أطاك”، فإن قطاع الإعلام المغربي يشهد هيمنة متزايدة للرأسمال، عبر التحكم غير المباشر في الخطوط التحريرية للمؤسسات الصحافية وتوجيه مضامينها بما يخدم مصالح دوائر مالية نافذة. هذا التحكم، تضيف الجمعية، يمتد ليشمل الاستحواذ على الدعم العمومي الذي يفترض أن يضمن استقلالية الصحافة، لكنه بات يستعمل، وفق منظورها، كأداة لإخضاع المنابر وتقويض استقلالية الصحافيين.
وتؤكد “أطاك” أن هذا الواقع يجعل أي هيئة تنظيمية، ومن ضمنها المجلس الوطني للصحافة، عاجزة عن أداء دورها الطبيعي. والأسوأ أن بعض هذه الهيئات تتحول، في نظر الجمعية، إلى جزء من البنية الضاغطة نفسها، كما ظهر في نموذج “لجنة الأخلاقيات” التي تحولت آلياتها التأديبية إلى وسيلة لإسكات أصوات مهنية مزعجة بدل حماية قواعد المهنة.
وفي سياق أوسع، انتقدت الجمعية تمدد القمع ليشمل مختلف أشكال التعبير الفني والثقافي. إذ تم الانتقال من محاكمة الصحافيين ومضايقتهم، إلى ملاحقة الفنانين، ومنهم مغنو الراب الذين صاروا هدفا مباشرا للتتبعات، بالتوازي مع التضييق على أشكال الاحتجاج السلمي، كما حدث مع شباب “جيل زد” الذين ووجهت تحركاتهم بالاعتقالات والمتابعات الثقيلة.
وتوقفت “أطاك” عند ظاهرة الاعتقالات العشوائية في صفوف صناع المحتوى، تحت شعار “التطهير الأخلاقي”، معتبرة أنها امتداد آخر لآليات الضبط والتحكم. وبحسب الجمعية، لا تستخدم هذه الحملة من أجل مواجهة أفعال مجرمة بقدر ما تستعمل لبناء “شرعية أخلاقية زائفة” تغطي على ممارسات تمس بحرية التعبير، وتحول النقاش العمومي من مساءلة السلطة إلى محاكمة السلوكيات الفردية.
وتحذر الجمعية من خطورة المنطق الأخلاقي الذي يستعمل لإعادة تشكيل المجال العمومي تحت وصاية مؤسسات لا تستند إلى صلاحيات تخولها الحكم على السلوك الفردي أو الجماعي، معتبرة أن الأسلوب نفسه استخدم بصيغ مختلفة في مواجهة شباب “جيل زد”، ما ينذر باتساع أكبر لرقعة الاعتقالات في سياق تتآكل فيه الضمانات القانونية وتتزايد محاولات دفع المجتمع نحو قبول تدخل الدولة في تحديد حدود التعبير.
وطالبت “أطاك المغرب” بوقف محاكمات الصحافيين وإنهاء مختلف أشكال التضييق عليهم، مع حل المجلس الوطني للصحافة وفتح نقاش وطني لإعادة بناء إطار مستقل وشفاف وغير خاضع للمصالح الاقتصادية والسياسية. كما دعت إلى مواجهة تركز النفوذ المالي داخل القطاع الإعلامي وتحصين المنابر الصحافية من التحكم، إلى جانب ضمان حرية التعبير وحرية التنظيم كشرط لبناء فضاء عمومي حر.
وشددت الجمعية على ضرورة إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، بمن فيهم معتقلو حراك الريف، وسعيدة العلمي، والمحامي محمد زيان، ومغني الراب “بوزفلو”، وجميع شباب “جيل زد” المعتقلين، مؤكدة أن حماية حرية التعبير، بكل تجلياتها، ليست مجرد مطلب حقوقي، بل هي أساس بناء مغرب يتسع للجميع ويقوم على النقد والمساءلة والمشاركة في الشأن العام.