النيابة العامة تدخل على خط “صفقات الأدوية” وتطيح بمسعى المعارضة لتقصي الحقائق

أفاد عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، خلال جلسة برلمانية يوم الأربعاء، أن النيابة العامة فتحت بحثا قضائيا بخصوص شبهات الفساد وتضارب المصالح المرتبطة بصفقات الأدوية، وهو ما أوقف عمليا مسعى المعارضة البرلمانية التي كانت تستعد لإطلاق مهمة استطلاعية حول هذه الصفقات، إذ يمنع الفصل 67 من الدستور تشكيل لجان تقصي في قضايا تخضع لمتابعات قضائية، كما تنهى مهام أي لجنة قائمة بمجرد فتح تحقيق رسمي.

وعبر بوانو عن امتعاضه من تدخل النيابة العامة، معتبرا أن ذلك ينتقص من صلاحيات البرلمان في ممارسة الرقابة عبر لجان تقصي الحقائق، وأشار إلى سوابق مشابهة حيث أجهضت مبادرات برلمانية بسبب فتح تحقيقات قضائية دون أن تكشف نتائجها للرأي العام. وأكد أن مجموعته النيابية رصدت تضاربا واضحا للمصالح، إذ حصلت شركة أدوية مرتبطة بالوزير سعد برادة على صفقات بملايين الدراهم، وهو ما يثير مخاوف من استغلال النفوذ داخل الحكومة ويعيد إلى الواجهة مطلب إرساء آليات فعالة للوقاية من تضارب المصالح، خاصة في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم.

من جانبه، دافع وزير الصحة أمين التهراوي عن تفويت صفقة استيراد مادة “البوتاسيوم” لشركة الوزير برادة، مؤكدا أن الصفقات تبرم مع الشركات وليس مع الأشخاص، كما حمل البرلمان مسؤولية تطوير إطار تشريعي واضح يحدد بدقة حالات تضارب المصالح ويضع آليات للزجر والوقاية.

هذا الجدل يعكس توترا مؤسسيا بين السلطتين التشريعية والقضائية، ويطرح سؤالاً حول حدود التداخل بينهما في ملفات ذات حساسية سياسية واقتصادية، ويكشف عن هشاشة الإطار القانوني المنظم لتضارب المصالح في المغرب.

وتبدو الحاجة ملحة إلى إصلاح تشريعي عاجل يحدد بشكل صريح الحالات الممنوعة، وإلى إحداث منصة رقمية مفتوحة تمكن المواطنين والفاعلين المدنيين من الاطلاع على تفاصيل الصفقات العمومية بما يعزز الرقابة المجتمعية، فضلا عن تكليف هيئات مستقلة بإجراء تقييم شامل لسياسات الأدوية من حيث التسعير والاستيراد والتوزيع لتفادي الاحتكار وضمان ولوج المواطنين إلى العلاج بأسعار عادلة.

كما أن إعادة التفكير في العلاقة بين البرلمان والقضاء باتت ضرورة لضمان ممارسة كل سلطة لاختصاصاتها دون تعطيل الأخرى، مع الاستفادة من تجارب دولية في تنظيم قطاع الأدوية عبر هيئات رقابية مستقلة تفصل بين المصالح السياسية والاقتصادية وتخضع الصفقات لمعايير صارمة للشفافية.

ملف صفقات الأدوية إذن يضع المؤسسات أمام اختبار حقيقي فهل يمكن تحقيق التوازن بين دور القضاء في محاربة الفساد ودور البرلمان في ممارسة الرقابة؟ الجواب سيحدد ليس فقط مصير هذا الملف، بل مستقبل الثقة في المؤسسات وقدرتها على حماية المال العام وضمان العدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *