الإعلام الإسباني يجمع.. قرار مجلس الأمن انتصار دبلوماسي مغربي وتكريس للحكم الذاتي كحل وحيد لنزاع الصحراء

شهدت وسائل الإعلام الإسبانية، منذ صدور قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء المغربية في نيويورك، إجماعا غير مسبوق على أنه أقوى اصطفاف أممي إلى جانب مقترح الحكم الذاتي المغربي، مع تباين طفيف في النبرة بين الصحف الكبرى والوسائط المقربة من الأوساط المتعاطفة مع جبهة البوليساريو.
ففي مدريد، عنونت جريدة “ABC” صفحاتها السياسية بعبارة واضحة، “تصويت لصالح السيادة المغربية على الصحراء”، مؤكدة أن المجلس الأممي منح دعما تاريخيا للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تقدمت بها الرباط سنة 2007، وأوضحت الصحيفة أن 11 دولة صوتت لصالح القرار، دون أي معارضة، بينما امتنعت الصين وروسيا وباكستان، في حين امتنعت الجزائر عن المشاركة في التصويت، ما يعكس، وفق الجريدة، عزلة الموقف الجزائري داخل مجلس الأمن.
أما صحيفة “لا فانغوارديا” ووكالة الأنباء Europa Press فركزتا على الخلفية السياسية للقرار الأممي، مشيرتين إلى أنه مشروع أمريكي صاغته واشنطن قبيل الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، بهدف تثبيت مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ودائم للنزاع. كما أبرزت الوسيلتان أن القرار جدد ولاية بعثة المينورسو لسنة إضافية، وأن الجزائر انتقدت النص بدعوى أنه “لا يعكس عقيدة الأمم المتحدة في تصفية الاستعمار”، وهو ما اعتبرته “لا فانغوارديا” محاولة لتبرير فشل المقاربة الانفصالية في كسب التأييد الدولي.
وفي تحليل متميز، ربطت صحيفة “إلباييس” القرار بواقع جديد داخل مجلس الأمن، معتبرة أن الدول الغربية الخمس الكبرى باتت متقاربة في رؤيتها للحل، وأن إسبانيا، منذ تحول موقفها سنة 2022، لم تعد استثناء، بل أصبحت جزءا من التيار الدولي الداعم للمبادرة المغربية، بعدما كانت قبل ثلاث سنوات تتبنى موقف الحياد الرمادي، وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاصطفاف يعكس وعيا أوروبيا متزايدا بأهمية المغرب كشريك استراتيجي في الاستقرار الإقليمي ومكافحة الهجرة غير النظامية والإرهاب.
من جهتها، أوضحت إذاعة “كادينا سير” أن القرار الأممي الجديد يعكس تحولا في موازين القوى لصالح المغرب، مشيرة إلى أن الرباط استفادت من السياق الإقليمي المتوتر، ومن رغبة العواصم الغربية الكبرى، واشنطن وباريس ولندن، في إنهاء نزاعٍ عمره نصف قرن. كما أكدت الإذاعة أن القرار يضع خيار الحكم الذاتي في موقع الصدارة ويهمش تماما أطروحة الاستفتاء التي فقدت الدعم الدولي منذ سنوات.
في المقابل، حاول الإعلام الإسباني العمومي (RTVE) وبعض المنابر المتعاطفة مع البوليساريو التقليل من أهمية القرار، عبر نقل تصريحات الجبهة التي رفضت “أي مسار يشرعن الاحتلال”، على حد تعبيرها، مع التركيز على غياب الجزائر عن التصويت، غير أن هذه الوسائل نفسها أقرت ضمنا بأن النص الأممي الجديد يرسخ عمليا خيار الحكم الذاتي ويدفع الاستفتاء إلى الهامش، في تحول غير مسبوق في لغة الأمم المتحدة بشأن الملف.
ويرى مراقبون أن الزخم الإعلامي الإسباني المؤيد للموقف المغربي يعكس تحولا عميقا في الرأي العام الإسباني، الذي بدأ ينظر إلى قضية الصحراء من زاوية المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي، خصوصا بعد التقارب الكبير بين الرباط ومدريد خلال العامين الماضيين في ملفات الأمن والطاقة والهجرة.
كما يبرز القرار الأممي، وما تبعه من تغطية إسبانية واسعة، أن المغرب أصبح يمتلك اليوم تفوقا دبلوماسيا صريحا، بفضل رؤية الملك محمد السادس القائمة على الواقعية والحزم والتعاون الدولي، ما جعل من المبادرة المغربية للحكم الذاتي الإطار الوحيد المعتمد لحلّ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبذلك، تؤكد الصحافة الإسبانية، على اختلاف توجهاتها، أن المغرب خرج من هذه الجولة الدبلوماسية منتصرا، ليس فقط في مجلس الأمن، بل في معركة الرأي العام الأوروبي أيضا.