خريف السياسة الساخن.. انقسام الأغلبية واحتقان الشارع يضعان البرلمان على المحك

يدخل البرلمان المغربي غمار ولايته الخريفية في أجواء استثنائية، تسودها توترات سياسية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، جعلت من هذا الدخول لحظة حاسمة في مسار الحكومة والفاعلين السياسيين على حد سواء، خصوصا وأن المشهد العام يختزل حالة من الغليان الشعبي، عنوانها العريض احتجاجات شبابية متصاعدة تعكس عمق الأزمة الاجتماعية، وتكشف حدود السياسات العمومية في الاستجابة لانتظارات فئات واسعة من المواطنين، خاصة الشباب.
فمنذ أسابيع، اهتزت الساحة السياسية على وقع حراك اجتماعي واسع النطاق، أعاد إلى الواجهة سؤال الثقة في المؤسسات، وجدوى البرامج الحكومية التي وعدت بتوفير فرص الشغل، وإنعاش الاقتصاد، وتحسين مستوى العيش، غير أن المؤشرات الاقتصادية الراهنة تظهر عكس ذلك، بطالة مرتفعة في صفوف الشباب، وضعف في دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وارتفاع مستمر في الأسعار، ما عمق الإحساس بالإحباط وفقدان الثقة في قدرة الحكومة على التغيير.
هذا المناخ المتوتر انعكس بدوره على مكونات الأغلبية الحكومية التي تعيش على وقع انقسامات داخلية واضحة، تجلت في التباين الحاد بين قيادات أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة من جهة، والتجمع الوطني للأحرار من جهة أخرى، فبينما يسعى كل طرف لتبرئة نفسه من مسؤولية الإخفاق، يجد الشارع نفسه أمام مشهد سياسي مرتبك، تضعف فيه روح التضامن الحكومي لصالح حسابات انتخابية ضيقة.
على المستوى التشريعي، يواجه البرلمان جدول أعمال مثقلا بملفات مؤجلة تتطلب حسما سياسيا عاجلا، من أبرزها مشروع القانون الجنائي الذي طال انتظاره، الذي يتضمن مادة تجريم الإثراء غير المشروع، وقانون التأمين الصحي للوالدين، إضافة إلى قوانين تنظيمية أخرى مثل الاحتلال المؤقت للملك العمومي، ومدونة الشغل الجديدة التي تثير قلق النقابات، فضلا عن مشروع مدونة الأسرة الذي يثير نقاشا مجتمعيا واسعا. كما يلوح في الأفق مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي يرتقب أن يكون محور مواجهة سياسية حادة بين الحكومة والمعارضة حول أولويات الإنفاق، والسياسات الاجتماعية والضريبية.
ويرى محللون أن هذه الولاية البرلمانية الأخيرة قبل الانتخابات المقبلة ستكون اختبارا حقيقيا لمدى قدرة الحكومة على استعادة الثقة الشعبية، وترجمة وعودها إلى إجراءات ملموسة. كما يتوقع أن تشهد جلسات البرلمان ارتفاعا في حدة الخطاب السياسي، حيث ستسعى الأحزاب إلى التمايز وإبراز مواقفها استعدادا للاستحقاقات القادمة.
ويمكن القول إن الدخول البرلماني هذه السنة لا يمثل مجرد محطة مؤسساتية روتينية، بل لحظة مفصلية في علاقة الدولة بالمجتمع، تختبر فيها الحكومة رصيدها السياسي، وتقاس فيها جدية الإصلاح بمدى الاستجابة لمطالب الشارع، فإما أن يكون هذا الدخول بداية لاستعادة الثقة، أو محطة إضافية في مسار التآكل السياسي وفقدان المصداقية.