انتفاضة الكرامة بمكناس.. 31 صوتا شجاعا يهزمون صمت أحزاب المعارصة وينصفون عمال النظافة

شهدت مدينة مكناس خلال دورة أكتوبر الأخيرة لمجلسها الجماعي حدثا سياسيا واجتماعيا استثنائيا، بعدما تحولت قاعة الاجتماعات إلى ساحة اختبار حقيقية لقيم المسؤولية والالتزام الاجتماعي. فقد فجر انسحاب بعض أحزاب المعارضة موجة غضب واستنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في صفوف عمال النظافة الذين اعتبروا الخطوة طعنة في ظهر الطبقة العاملة، ومؤشرا على أولويات حزبية ضيقة على حساب العدالة الاجتماعية.
في مقابل هذا الموقف المثير للجدل، رفع واحد وثلاثون مستشارا جماعيا رؤوسهم عاليا حين صوّتوا بشجاعة لصالح زيادة ألف درهم في أجور عمال النظافة. القرار لم يكن مجرد إجراء مالي، بل رسالة كرامة وتقدير لرجالٍ يعملون في أصعب الظروف، ويشكلون العمود الفقري لنظافة المدينة وجودة الحياة فيها. لقد جسد هؤلاء المستشارون معنى الوفاء للمسؤولية، وأثبتوا أن السياسة يمكن أن تكون أداة للإنصاف لا وسيلة للمزايدة.
أما الأطراف التي اختارت الانسحاب أو رفض التصويت، فقد وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الرأي العام المكناسي، الذي لم يتردد في التعبير عن استيائه العميق عبر الفضاء الرقمي. ومن محاسن الصدف أن الصوت والصورة وثقا الموقف، وكشفت التسجيلات بوضوح من يقف إلى جانب العامل البسيط ومن يختار التواري خلف الشعارات الجوفاء. ويبقى السؤال، كيف لمن يرفع شعارات “المصلحة العامة” أن يهرب من لحظة القرار؟ وكيف لمن يتحدث عن العدالة الاجتماعية أن يعارض إجراء رمزيا ينصف شريحة تكدّ كل يوم في خدمة المدينة؟
زيادة الألف درهم لم تكن فقط مسألة مالية، بل تحولا في الوعي السياسي والاجتماعي بمكناس، إنها وخطوة تعيد الاعتبار لعمال النظافة، الذين ظلوا لعقود في الظل رغم دورهم الحيوي في حماية الصحة العامة وصورة المدينة. كما أن هذه الانتفاضة الرقمية التي قادها المواطنون وعمال القطاع على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن زمن اللامبالاة انتهى، وأن الشفافية والوضوح باتا يحددان من مع المصلحة العامة ومن ضدها.
المثير في هذه القضية أن بعض المستشارين الذين انسحبوا اليوم هم أنفسهم من صوتوا سنة 2018 على دفتر تحملات خال من أي بعد اجتماعي، دون أن يبدوا حينها اعتراضا. أما الآن، وبعد أن تم ادراج مكاسب لصالح العمال، اختاروا الانسحاب، وكأن تحسين أوضاع هذه الفئة أصبح تهديدا سياسيا لهم. إنها مفارقة تكشف حجم الانفصال بين الخطاب والممارسة في بعض النخب السياسية، وتظهر أن القرار الاجتماعي حين يكون في صالح الفئات الهشة يصبح اختبارا حقيقيا لصدق الشعارات.
لقد أسدل الستار على جلسة ستبقى علامة فارقة في تاريخ جماعة مكناس، و الأكيد أن التاريخ سيذكر واحدا وثلاثين مصوتا بشرف واحترام، وسيتذكر بالمقابل من اختار الانسحاب أو الصمت حين كانت المدينة تنتظر المواقف لا المبررات. اليوم بات عمال النظافة يعرفون من معهم ومن ضدهم، أما الرأي العام فلن ينسى من صوت للكرامة ومن صوت ضدها، وأن مكناس تستحق مسؤولين بحجم تضحيات أبنائها، أما من خذل، فليتحمل وزر موقفه أمام التاريخ، “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه”.