محمد الخامس بطنجة.. مستشفى أم مرآة لفوضى الإصلاح الصحي؟

في الوقت الذي يعيش فيه قطاع الصحة بجهة طنجة تطوان الحسيمة مرحلة انتقالية غامضة بين المديرية الجهوية للصحة ومدير مجموعة الصحة الذي بدأ مهامه رسميا منذ فاتح أكتوبر، تتزايد مؤشرات الارتباك والتداخل في المسؤوليات، لتنعكس مباشرة على واقع الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

حادثة مأساوية عاشتها طنجة نهاية الأسبوع، كشفت بشكل صارخ هذا الارتباك الإداري. شاب أصيب في حادثة سير خطيرة، تعرضت ساقه اليمنى لكسور معقدة تستوجب تدخلا جراحيا عاجلا، إلا أن الشاب ظل، إلى حدود مساء الاثنين، ينتظر الطبيب المختص داخل مستشفى محمد الخامس الذي صار رمزا للفوضى والإهمال.

وتؤكد عائلته أنه لم يتلق أي رعاية طبية حقيقية، وأن الطاقم المناوب اكتفى بتقديم مسكنات بسيطة، بل طلب منها شراء الحقن والمستلزمات من خارج المستشفى، في مشهد يعكس تراجعا مقلقا في أداء المؤسسة الصحية التي يفترض أن تكون الأولى من حيث التجهيز والموارد البشرية بالمدينة.

المؤلم في القصة ليس فقط الجرح ولا الألم، بل الإهمال ذاته، فبينما يئن الشاب في سريره دون تدخل جراحي، يضيع الزمن في البحث عن الطبيب المختص، وعن الجهة التي يفترض أن تتحمل مسؤولية التدخل. هل هي المديرية الجهوية للصحة التي كانت تدير القطاع سابقا، أم مدير مجموعة الصحة الذي يفترض أنه تسلم زمام الأمور منذ مطلع الشهر؟

هذا السؤال لم يعد إداريا فقط، بل أصبح سؤال حياة أو موت، حين يتحول الخلل في الهيكلة إلى عجز عن تقديم خدمة عاجلة لمصاب قد يفقد رجله بسبب الانتظار.

الأدهى أن أسرة الضحية حاولت نقله إلى مصحة خاصة بعد أن فقدت الأمل في العلاج العمومي، غير أن إدارة المستشفى رفضت الترخيص له بالمغادرة، لتضاعف معاناته بين جدران مؤسسة لم تعد تملك سوى اسمها. فلا علاج ولا إذن بالمغادرة، فقط بيروقراطية قاتلة تستهين بحق المواطن في العلاج والكرامة.

ما يجري بمستشفى محمد الخامس ليس استثناء، بل نموذج مصغر لما يشهده القطاع الصحي بالجهة من فوضى إدارية وتضارب في الصلاحيات. المستشفى نفسه سبق أن كان موضوع تحقيقات في قضايا تبديد المال العام وسوء التسيير، واليوم يعود اسمه ليتصدر الأخبار من جديد، ولكن هذه المرة بسبب تجسيده لفشل الإصلاح في الميدان.

الكرة اليوم في ملعب وزارة الصحة، التي مطالبة بتوضيح حدود المسؤوليات بين الهياكل الجديدة والقديمة، لأن المواطن لا تهمه المسميات الإدارية بقدر ما يهمه وجود طبيب ومحاسبة واضحة.

فمن يسير فعلا الشأن الصحي بجهة طنجة تطوان الحسيمة؟ سؤال لم يعد يحتمل الانتظار، تماما كما لا يحتمل الجرح انتظار الطبيب الغائب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *